هناء شحروري: غزرة فلسطينية في نسيج الغربة | Atlas Rommana | أطلس رمانة

هناء شحروري: غزرة فلسطينية في نسيج الغربة


"التطريز يعكس تطور الهوية الفلسطينية عبر السنين من خلال تأثر النساء الفلسطينيات بالأحداث التاريخية السياسية والثقافية" - هناء شحروري.

 

هناء شحروري هي امرأ ة فلسطينية مقيمة في قطر صاحبة أعمال تطريز فلسطيني في قطر. تكرس هناء وقتها لتعليم الأطفال والنساء التطريز، والمشاركة في الفعاليات الفلسطينية بزاويا التطريز الفلسطيني، وابتكار أفكار جديدة وعصرية في التطريز لمشروعها "مشط الحايك". من أهم إنجازات هناء هي المشاركة في تطريز جدارية مع مبادرة البيلسان، بالإضافة إلى ابتكار تطبيقات جديدة في التطريز مثل التطريز على الملابس العصرية لإدماجها في حياة النساء اليومية بالإضافة إلى إدخال التطريز على أغراض لا تطرز تقليدياً مثل الألعاب والديكورات وأدوات الضيافة، وتقوم بالتطريز باستخدام مواد غير تقليدية مثل الخشب والبلاستيك والأحجار.

التطريز هو حرفة نسيج يدوية تقوم بها النساء في القرى الفلسطينية، والتي ظهرت منذ فترة طويلة بشكل خاص كجزء من اللباس التقليدي الفلسطيني، الزي التقليدي الأكثر شيوعًا هو رداء طويل يسمى الثوب، والذي يتميز بألواح مطرزة بشكل معقد على الصدر والأكمام، ويعتمد شكل التطريز على معطيات محددة منها  قرية المرأة الأصلية وحالتها الاجتماعية.

 تقليدياً، تبدأ الفتاة الفلسطينية في تعلم الخياطة في وقت مبكر من طفولتها، وبمجرد أن تتمكن من استخدام الإبرة، يتم إعطاؤها بضعة من خيوط الحرير وتبدأ في تعلم التطريز والزخارف البسيطة التي تتميز بها قريتها على أيدي الفتيات أو النساء الأكبر سناً.

كان التطريز يتم في كثير من الأحيان بشكل جماعي، حيث تتجمع النساء خارج مداخل منازلهن للجلوس والتحدث والعمل على تطريزهن ومساعدة الفتيات الصغيرات في غرزهن الأولى.

لعب التطريز الفلسطيني دورًا مهمًا كلغة للتعبير عن الثقافة الفلسطينية قبل النكبة، أما بعد تهجير الفلسطينيين سنة 1948، أصبح التطريز رمزًا للمقاومة الفلسطينية، متمثلًا في الفن والملابس كوسيلة لإظهار تاريخ الشعب الفلسطيني وارتباطه بأرضه، ونضالهم المستمر من أجل وطنهم.

 

أنواع غرز التطريز الفلسطينية وعلاقتها بالمكان ونمط الحياة:

استخدم التطريز الفلسطيني أنواعًا متعددة من الغرز، مما مكنت النساء من خياطة أثوابهن قبل ظهور آلات الخياطة وتزيينها بتصاميم معقدة، طورت كل منطقة في فلسطين التاريخية تصميماتها الخاصة وممارساتها الفريدة مع مرور الوقت.

تميزت مدن ومناطق مختلفة باستخدام ألوان ورموز مختلفة، وأصبح بعضها مشهورًا بشكل خاص بتصميم وجودة منتجاتها، ومن الأمثلة على ذلك مدينة المجدل، والتي اشتهرت بنسيجها "قماش مجدلاوي"، وبيت لحم المشهورة بغرزة التحريري.

في العموم كان هناك اختلاف بين المدن والقرى في طبيعة الأقمشة والتطريز، المرأة القروية طرزت وارتدت أثواباً مثقلة بالتطريز اليدوي "الغرزة الفلاحية" على عكس المرأة المدنية التي اعتمدت على طبيعة الأقمشة ذاتها مع تطريز أخف نسبياً ويرجع ذلك لاختلاف أنماط حياتهن.

أكثر أنواع الغرز الزخرفية المستخدمة في التطريز الفلسطيني انتشارًا هي الغرز المتقاطعة، المعروفة باسم "الغرزة الفلاحية"، وبغض النظر عن أصلها من أي منطقة في فلسطين، فإن الثوب وتفاصيله المطرزة تصور الحالة الاجتماعية للمرأة من خلال اختيار اللون والنمط، في حين يشير اختيار المواد والأقمشة أيضًا إلى الوضع الطبقي للشخص وثروته.

 

التطريز الفلسطيني مرجع اجتماعي وتاريخي:

استلهمت المرأة الفلسطينية أيضاَ زخرفة ثوبها من البيئة المتواجدة حولها، فعلى سبيل المثال طرزت نساء يافا زهرة البرتقال والسرو، وطرزت نساء أريحا زخارف كنعانية وجدت محفورة من آلاف السنين على كهوفها، في حين تميز ثوب رام الله بالورود والأزهار المطرزة باللون الأحمر، وهكذا كان التطريز بمثابة مرجع اجتماعي في المجتمع الفلسطيني.

يرتبط التطريز الفلسطيني بفكرة الفلاح الفلسطيني حيث أصبح هؤلاء الفلاحون دلالة مركزية في القومية الفلسطينية، إن صور الحياة الريفية الفلسطينية وجذورها في الأرض التي وجد العديد من الفلسطينيين أنفسهم محرومين منها، اكتسبت معنىً قوياً مرتبطاً بهويتهم خاصة للفلسطينيين في الشتات.

 

تطور التطريز الفلسطيني ووصوله إلى الرمزية السياسية:

تغيرت استخدامات التطريز على مر الفترات الزمنية المختلفة، فالتطور التاريخي للزخارف وأنماط الغرز بدأ لوظيفة التمييز بين المناطق قبل النكبة، ومن ثم ظهوره كأداة اقتصادية في منتصف القرن العشرين داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ثم تطوره كرمز سياسي داخل فلسطين خلال الانتفاضة الأولى في الثمانينات.

كان للنكبة والتهجير للفلسطينيين تداعيات وآثار فورية على الممارسات التقليدية مثل التطريز، ففي خضم نكبة التهجير وطرد الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة والخارج، تراجعت ممارسة التطريز خاصة بشكله الفني الغني الثقيل بشكل ملحوظ.

بدأت حركة إعادة إحياء هذا الفن في الستينيات عندما وجدت النساء الفلسطينيات أن مهاراتهن في التطريز وسيلة مفيدة لكسب المال، ظهرت تصميمات جديدة، مثل فستان "الست عروق" الذي طور في أواخر الستينيات والسبعينيات، استنادًا إلى طراز ما قبل عام 1948 الموجود في منطقة رام الله والذي سمي على اسم العروق الستة العمودية المطرزة التي تمتد من الخصر إلى حافة الثوب.

كان هذا التصميم الجديد يتأثر بالضيق الاقتصادي في ذلك الوقت، حيث سمح تصميم الفستان للشخص بتطريز "العروق" لتعكس ضروراته الاقتصادية، فإذا كانت رقيقة جدًا فتعكس الأوقات صعبة، وإذا كانت عريضة إذا توفر بعض من الاتساع الاقتصادي.

أدت الانتفاضة الأولى أيضاً من التغييرات السياسية التي انعكست على التطريز بشكل واضح، فنرى تطريز زخارف تتعلق بالمقاومة والأرض والقومية الفلسطينية على الملابس، فنرى مثلاً حضورا قوياً لتطريز العلم الفلسطيني وقبة الصخرة وكلمة فلسطين على الأثواب وهذا الأمر لم يكن معهوداً من قبل.

 كان ذلك شكل مادي من أشكال المقاومة في وقت كان فيه إظهار الرموز الفلسطينية محظورًا، كان التطريز وبروزه على ملابس النساء بمثابة دليل على أن النساء اللاتي صنعنه كان لهن دوراً فعال في الانتفاضة، مستخدمين مساحة أجسادهن لتوصيل تطلعاتهن الوطنية على الرغم من وجود مخاطر لذلك.

بشكل عام، تغيرت وظيفة التطريز بعد النكبة من كونه شكل للتعبير عن هوية المرأة الفلسطينية التي ترتديه وتطورت لتصبح جزء من مشروع سياسي أكبر.

أثبتت المرأة الفلسطينية فعالية دورها في الرحلة الفلسطينية التي شهدت التشرد والنزوح والغربة والشتات، وأثبت التطريز والثوب الفلسطيني مرونته في التطور والتشكل حسب الأوضاع الراهنة.

أخيرًا، يواصل التطريز الفلسطيني الحفاظ على مكانته كرمز للصمود والتشبث بالهوية التي ناضل الفلسطينيون من أجل الاحتفاء بها والحفاظ عليها لأكثر من 75 عامًا. ولهذا السبب عندما تدخل إلى أي بيت فلسطيني في الشتات، فلن تفشل أبداً في إيجاد قطعة من التطريز تتربع في ديكورات المنزل.

 

للتواصل مع هناء: https://www.instagram.com/p/C3VC_GVsx9B/?igsh=ZDg0djhnbHppYXpr